الشّيخ محمد رشاد الشّريف

يحدثوننا دائماً عن مساوئ الانترنت. كم من الوقتِ أضعنا في دهاليزِه. وكم من التّركيزِ شتّتنا في متاهاتِه. وكم من السّخافاتِ ملأت رؤوسَنا عبرَ أنهارِه. ولكن دعوني أعطيكم مثالاً بسيطاً شكرتُ اللّه على نعمة الإنترنت بسببه. و لعلّي أذكر أمثالاً أخرى في محطّاتٍ قادمة. ولعلّي أيضاً أخصّصُ إسماً لفقرة تخصّ مثل هذه اللّقيات الثمينة. وأسأل اللّه أن أجد مثلها دائماً وأن أستعيد مبادرة المشاركة التي وجدتُ نفسي أخسرها نوعاً ما لسبب أو لآخر. كنت كعادتي أتجول في رواقات ال “ساوند كلاود” الغَنيّ بما نحبُّ وبما لا نحبُّ وبما كنّا نحبُّ. وجدتُ هذا المقطع الكريم لهذا الشيخ الكريم والشُّكر الكَثير لمن وضعَه على ال “ساوند كلاود”.

حسناً. إنَّ الكلام في مثل هذا لا يقْبَلُ التّصنُّع. صدقاً أقول أنّ سماع هذه القراءة لسورة “يس” يضيء نوراً في القلب ويرويه بماءٍ يرمّمُ بعضاً ممّا تفتَّتَ منه في أيّامٍ أُخَر. من أين كان لي أن أجدها أو أصادفها لو لم يكن هذا “ الإنترنت”‘موجوداً؟ نعم. لا يعرضون مثلها في التلفاز [والأفضل ألّا نفتح موضوع التّلفاز الآن] ولا في الراديو ولا في غير أمكنة. لن أجدها خارج الانترنت ذلك عدا عن أن أصادفها. فإذاً الإنترنت طريقٌ لإيجاد كنوزٍ كثيرة وهذا يبدو بديهياً ولكنّنا ننساه بين حين وآخر خاصّةً مع تغلغل سموم الفيسبوك وإخوانه في كلّ منزلٍ وكلّ غرفةٍ وكلّ نفسْ. ما علينا فهذا ليس موضوعنا الآن. سمعتُ هذا المقطع باستمرارٍ ولا أزالُ أسمعه. كنزٌ حقيقي. ثُمَّ اكتشفتُ أنّ هذا الشيخ الكريم رحمه اللّه كان مقرئ المسجد الأقصى في أيّامٍ سبقَتْ. وهذا ما أفرحني أكثر. لا أعلم لماذا رأيتُ جمالاً وعظمة وأصالة لا توصَفْ. عزيزي القارئ أنا من جيلٍ كبرَ في بلدٍ لم يعرف هويّته فيه جيّداً ولم يرَ مشاهداً كثيرة حقيقية تعبقُ بالرّوح العتيقة كهذا المشهد الذي تخيَّلته. أنا من جيلٍ لم يعرف ما هي فلسطين حقيقةً ولماذا سنحبُّها طبيعةً حين نعرفُها. أنا لم أعرفها بالقدر الكافي بعد ولكنّني أحاول. بغضّ النّظر عن ذلك فإنّ مجرّد تخيّل منظر المسجد الأقصى بكلّ ساحاته و أشجاره يسري بينها صوت هذا الشيخ الكريم صادحاً بالقرآن يبعثُ في نفسي شعوراً بالهيبةِ والجَمالِ العَتيقِ والحقيقيّ.

بعدها وجدتُ هذا الوثائقي عنه والذي شاهدته بعد أن تلقّيت شبه “بهدلة” من دكتور في جامعتي التي لا أحبُّها صدْقاً. كان كفيلاً بجعلي أسكنُ من جديد. وهذا من نِعَمِ اللّه التي لا نحسبُ لها أيّ حِسابْ. فهوَ الغَنيُّ ونحنُ الفُقَراءْ.

شاهدتُ هذا الوثائقي وشاهدتُ فيه فلسطين وناسها. ورأيتُ هيبة وجمال المَسْجد الأقْصى. وسمعتُ القرآن ينطلق منه وحوله. شعرتُ ببعضٍ من حجمِ ما فَقَدْنا بفقدانِ فلسطين وإن كنتُ لم أولد بعد حينَها وإن كنتُ حُرِمتُ معرفتها وتقديرها و محبّتها منذُ صِغَري. ولكنّني أحبُّها الآن وأتعرّفُ عليها ولعلّي أزورها يوماً مع الزائِرين الحقّ. وبالنّسبة لهذا الشّيخ الكريم، شعرتُ بأنّه جدُّ لي لم أره يوماً. كنتُ سأزوره كثيراً بالتأكيد و أتعلّم منه. رحمَهُ الله وغفَرَ له وأسكَنَهُ فسيحَ جنّاتِه.